بناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضلة بلاطها المسك وحصاها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران، فيها غرف من حسنها يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها.
للمؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً.
فيها أنهار من ماء غير آس وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى.
ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم فيها من كل فاكهة زوجان، فيها فاكهة ونخل ورمان، ولا تظنوا أن هذه مثل ما في الدنيا فإنه لا يعلم حقيقتها وحسنها ولذتها إلا من أدركها الإسم هو الإسم ولكن المسمى هو المسمى.
قطوفها دانية أي ثمرتها دانية لمن أرادها يتناولها المؤمن بكل سهولة يتناولها قائماً وقاعداً كلما أخذ منها شيئاً خلفه آخر في الحال لا مقطوعة ولا ممنوعة يدعون فيها بكل فاكهة فتحضر لهم.
آمنين من الموت آمنين من الهرم آمنين من المرض آمنين من انقطاع تلك الفاكهة أو نقصها آمنين من كل خوف، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً في اللون والهيئة مختلفاً في الطعم والمذاق لهم رزقهم فيها بكرة وعشياً.
ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون قاصرات الطرف مفتورات في الخيام، قاصرات الطرف فلا ينظرن إلى غير أزواجهن ولا يتطلع أزواجهن إلى غيرهن، أنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكاراً كلما جامعها زوجها عادت بكراً في الحال.
عروباً والعروب جمع عروب والعروب هي المتوددة إلى زوجها.
أفراداً أي على سن واحدة ليست إحداهن بأكبر من الأخرى لم يطمسهن إنس قبلهن ولا جان، هم وأزواجهم في ضلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم.
يطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يقدمون عنها ولا ينزفون إنها دار مطهرة إنها دار مطهرة من كل خبث وقذر فلا غائط فيها ولا بول ولا مخاط ولا نتن وإنما يخرج الطعام والشراب غشاءً ورشحاً من جلودهم كريح المسك.
يجمع الله فيها الأولاد إلى آباءهم وإن كان الأولاد أقل منزلة في الجنة ليتم بذلك نعيمهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:21).
قد لقاهم الله تعالى نظرة في وجوههم وأبدانهم وسروراً في قلوبهم، فجمع الله لهم بين نعيم الظاهر والباطن، نعيم البدن ونعيم القلب.
ينادي منادي: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا ابداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً.
سكانها الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاما.
يتحدثون بما أنعم الله عليهم من هذا النعيم وبما من الله به عليهم فوقاهم عذاب الجحيم.
تحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس فالتسبيح دأبهم دائماً كما أن النفس دأب الحي دائماً.
قد أحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً، وقد منحهم رؤية وجهه الكريم فهم يرونه عياناً بأظفارهم وينظرون إلى الله كما يشاء، ولا يجدون نعيماً اكمل من النظر إلى وجه ربهم، لأنهم ينظرون إلى وجه من هو أحب إليهم ينظرون إلى وجه من أوصلهم إلى ما هم فيه من النعيم المقيم.
تلك هي الجنّة..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم، ورب كل شيء ومليكه..
أن يدخلنا فردوسه الأعلى برحمته وأن يحرم النار على جلودنا.
وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم وأن يجمعنا مع نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.. اللهم آمين.
نقلاً عن وصف الجنة للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله.